2018-05-13

الله والصخرة : متناقضة القدرة الكلية

لعل متناقضة القدرة الكلية من أكثر الجدليات "المنطقية" التي قد يطرحها أي ملحد، وهي في حد ذاتها تنتمي إلى عائلة من المتناقضات الدلالية، تقوم في لبّها على محاولة البت في إمكانية وجود كائن كليّ القدرة منطقياً، وتحديد معنى "القدرة الكلية" كذلك.

تقوم فكرة مثل هذه المتناقضات على الجدال المنطقي القائل بأنه، إن كان لدينا كائن قادر على كل شيء، فهو:
- إما قادر على إيجاد عمل ما لا يقدر هو نفسه أن يقوم به، ومنه لا يكون ذلك الكائن قادراً على كل شيء بالنهاية؛
- أو لا يقدر على إيجاد مثل ذلك العمل، ومنه لا يكون قادراً على كل شيء كذلك.
هل يستطيع الله أن يخلق صخرة لا يقدر أن يحملها؟

سوف نتناول مثل تلك القضية المنطقية بدراسة إحدى نسخها العائدة إلى القرون الوسطى، والتي تدعى متناقضة القدرة الكلية Omnipotence paradox، أو متناقضة الصخرة paradox of the stone، وأفضل تلخيص لماهية متناقضة القدرة الكلية هو على شكل السؤال التالي (مع وجود أسئلة أُخرى تعبّر عن نفس المتناقضة):
" إذا كان الله قادر على كل شيء، هل يستطيع الله أن يخلق صخرة لا يقدر أن يحملها؟"
بالنظر إلى بنية السؤال (سؤال هل)، فإن الجواب سيكون بنعم، أو لا، وفي كلتا الحالتين لا يكون الله قادراً على كل شيء، فإن كان الجواب بنعم، فهذا ينفي قدرة الله عن حمل تلك الصخرة التي خلقها لتوه، وإن كان الجواب لا، فهو ينفي قدرة الله على خلق مثل تلك الصخرة.

بما أن ما نناقشه متناقضة، فهو إذاً عبارة تنطوي على تناقض، أي أنها منافية للمنطق، ومن البديهي أننا لن نصل أصلاً إلى جواب منطقي صحيح عبر تساؤل لامنطقي غير صحيح، فأين التناقض المنطقي فيه؟
السؤال يفترض أن الله قادر على كل شيء بالمطلق، وهذا أمر غير صحيح، فالله غير قادر على كل شيء ممكن أن يخطر ببالنا، بل هو قادر على كل شيء منطقي ويوافق طبيعته وأقانيمه، حيث من المهم أن نعلم بأن تعبير القدرة الكلية يعني بالدرجة الأولى أن لا حد لتلك القدرة، فهو تحديد كمي بالدرجة الأولى على أن يكون نوعي، والمستحيل منطقياً لا يصبح ممكناً في حال زيادة كمية القدرة، كما أن المنطق هو الأقنوم الثاني من الله الواحد في ثالوث (الكلمة اللوغوس (من logic) عقل الله الناطق)، فطبيعة الله منطقية لا تنافي المنطق، كما أن الكتاب المقدس نفسه يسرد بعض الأمور التي لا يقدر الله أن يقوم بها على ضوء ما أوضحنا، فالله مثلاً لا يقدر أن يكذب (عبرانيين 6: 18) لأن هذا ضد طبيعته المنطقية الأزلية المطلقة الصلاح.


من الأمور غير الممكنة على الله كذلك: أن يحب الشر (لأنه مطلق الصلاح) أوأن يفعله، وأن يلغي وجود ذاته (لأن موجود بذاته ولا يمكن أن يكون موجود وغير موجود معاً فهذا أمر غير منطقي وضد قوانين المنطق)، أن يخلق إلهاً غير محدود معه (لأنه غير محدود ولا يمكن لأمرين لامحدودين أن يتواجدا معاً بتمايز وإلا حدّا بعضهما).
فإذا عدنا إلى السؤال نرى أنه باطل، لأنه يفترض أن الله قادر على كل شيء ولو ضد المنطق والصلاح، وهذا منطقياً غير ممكن.
كما أن السؤال باطل، لأنه يرمي إلى وجود صخرة لا يقدر الله غير المحدود أن يحملها، بالتالي هذه الصخرة لو وُجدت لابد أن تكون غير محدودة على أقل تقدير، بالتالي يطلب وجود شيئين غير محدودين معاً، وكما أوضحنا، هذا منطقياً غير ممكن.
إلى جانب أن الصخرة اللامحدودة لم تعد مادة، لأن المادة لا يمكن أن تكون غير محدودة، فاللامحدودية ليست من طبع المادة، وهذا تناقض منطقي كذلك.

أضف إلى ذلك، إن كنت أتكلم عن كائن قادر على كل شيء، كيف من المنطق أن أستخدم، وفي نفس السياق، عبارة مثل " لا يقدر أن يحملها" أصلاً ؟  لعمري إنه سؤال لامنطقي، والخطأ في السؤال وسذاجته وليس في الله، فهو كمن يقول: هل يقدر الله أن لا يقدر؟ أو هل يقدر الله ألا يكون الله؟ فإن قلنا أن كلي القدرة قادر على ألا يقدر، نكون قد عرفنا القدرة الكلية كاستحالة منطقية منذ البداية، لتضارب السياق مع المعنى كما أوضحنا.

مثال علميّ آخر يوضح اللغط المنطقي في مثل تلك المتناقضات، أن نسأل: هل يمكن لقوة غير محدودة (طاقة لانهائية) أن تزيح شيئاً غير قابل للحركة (ممانعة لانهائية)؟ وهنا أيضاً إن كانت القوة غير محدودة فلا وجود لشيء لا يمكن أن تزيحه ضمن هذا السياق، وإن وجد شيء مقاوم لا يتحرك أبداً فلا وجود لقوة غير محدودة في هذا السياق لأنها لن تقدر أن تزيحه، وهو بنفس المنطق سؤال خاطىء وفقاً لنظرية النسبية الخاصة بآنشتاين، لأن القوة غير المحدودة هي طاقة أعظمية في الكون، والشيء المقاوم غير المزاح هو طاقة أعظمية كذلك، والكون بالتعريف لا يمكن أن يحوي شيئين أعظمين، وهذا ما يؤكده حتى البروفيسور الملحد اسحق أسيموف، فإن مجرد سرد مجموعة كلمات لتكوّن جملة تبدو متماسكة قواعدياً لا يعني بالضرورة أن تكون تلك الجملة معقولة وذات معنى.

 من الأسئلة المتناقضة المشابهة: متناقضة الكذّاب، حيث إن قال لك شخص: "أنا كاذب"، فأنت أمام احتمالين:
- أن تصدقه، وهذا يعني أن تصدق أنه كاذب، فكيف استطعت أن تصدقه مادام هو باعترافه كاذب؟
- ألّا تصدّقه لأنه وباعترافه كاذب، وكل ما يقوله كذب، بالتالي يكون قد كذب عليك أيضاً عندما قال لك "أنا كاذب"، فيكون بالتالي صادقاً، فكيف لم تصدّقه منذ البداية؟

إذاً، الله إلهنا صالح وإلى الأبد رحمته، وهو إله منطقي بطبيعته وأقنومه الثاني، فما كان بالتعريف مستحيل منطقياً، أو ما كان مخالف للصلاح، لن يكون من ضمن الأمور التي يقوم بها الله من الأساس، وهذا لاينفي أنه قادر على كل شيء صالح ومنطقي ويريد القيام به، وأما من يقول بأن على الله أن يكون قادر على فعل كل شيء بالمطلق مهما كان، فهو يخالف تعريف الكتاب المقدس لله وللقدرة الكلية المنوطة به، ونحن لا نؤمن أصلاً بهكذا إله.
[المصادر : 1 ، 2 ، 3 ، 4]

ليست هناك تعليقات: